فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الجوهري: الضعف والضعف خلاف القوّة، وقيل: هو بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسم {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} يعني: من جميع الأشياء، ومن جملتها القوّة والضعف في بني آدم {وَهُوَ العليم} بتدبيره {القدير} على خلق ما يريده، وأجاز الكوفيون: {من ضعف} بفتح الضاد والعين.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أي: القيامة، وسميت ساعة لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا {يُقْسمُ المجرمون مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} أي يحلفون ما لبثوا في الدنيا، أو في قبورهم غير ساعة، فيمكن أن يكونوا استقلوا مدّة لبثهم، واستقرّ ذلك في أذهانهم، فحلفوا عليه وهم يظنون أن حلفهم مطابق للواقع.
وقال ابن قتيبة: إنهم كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل، وهذا هو الظاهر؛ لأنهم إن أرادوا لبثهم في الدنيا، فقد علم كل واحد منهم مقداره، وإن أرادوا لبثهم في القبور فقد حلفوا على جهالة إن كانوا لا يعرفون الأوقات في البرزخ {كَذَلكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} يقال: أفك الرجل: إذا صرف عن الصدق، فالمعنى: مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون.
وقيل: المراد يصرفون عن الحق.
وقيل: عن الخير، والأوّل أولى، وهو دليل على أن حلفهم كذب.
{وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم والإيمان لَقَدْ لَبثْتُمْ في كتاب الله إلى يَوْم البعث} اختلف في تعيين هؤلاء الذين أوتوا العلم، فقيل: الملائكة.
وقيل: الأنبياء.
وقيل: علماء الأمم.
وقيل: مؤمنو هذه الأمة، ولا مانع من الحمل على الجميع.
ومعنى في كتاب الله: في علمه وقضائه.
قال الزجاج: في علم الله المثبت في اللوح المحفوظ.
قال الواحدي: والمفسرون حملوا هذا على التقديم والتأخير على تقدير: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله، وكان ردّ الذين أوتوا العلم عليهم باليمين للتأكيد، أو للمقابلة لليمين باليمين، ثم نبهوهم على طريقة التبكيت بأن {هذا} الوقت الذي صاروا فيه هو {يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنه حق، بل كنتم تستعجلونه تكذيبًا واستهزاء.
{فَيَوْمَئذٍ لاَّ يَنفَعُ الذين ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ} أي لا ينفعهم الاعتذار يومئذ ولا يفيدهم علمهم بالقيامة.
وقيل: لما ردّ عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا.
قرأ الجمهور: {لا تنفع} بالفوقية، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتحتية {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يقال: استعتبته فأعتبني، أي استرضيته، فأرضاني، وذلك إذا كنت جانيًا عليه، وحقيقة أعتبته أزلت عتبه، والمعنى: أنهم لا يدعون إلى إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إلى ذلك في الدنيا.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرءان من كُلّ مَثَلٍ} أي من كلّ مثل من الأمثال التي تدلهم على توحيد الله وصدق رسله واحتججنا عليهم بكل حجة تدل على بطلان الشرك {وَلَئن جئْتَهُمْ بئَايَةٍ} من آيات القرآن الناطقة بذلك، أو لئن جئتهم بآية كالعصا واليد {لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُوا إنْ أَنتُمْ إلاَّ مُبْطلُونَ} أي ما أنت يا محمد وأصحابك إلاّ مبطلون أصحاب أباطيل تتبعون السحر وما هو مشاكل له في البطلان {كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوب الذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الفاقدين للعلم النافع الذي يهتدون به إلى الحق، وينجون به من الباطل.
ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر معللًا لذلك بحقية وعد الله وعدم الخلف فيه، فقال: {فاصبر} على ما تسمعه منهم من الأذى وتنظره من الأفعال الكفرية فإن الله قد وعدك بالنصر عليهم وإعلاء حجتك وإظهار دعوتك ووعده حق لا خلف فيه {وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقنُونَ} أي لا يحملنك على الخفة، ويستفزنك عن دينك، وما أنت عليه، الذين لا يوقنون بالله، ولا يصدقون أنبياءه، ولا يؤمنون بكتبه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقال: استخف فلان فلانًا، أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ.
قرأ الجمهور: {يستخفنك} بالخاء المعجمة والفاء، وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق، والنهي في الآية من باب: لا أرينك هاهنا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يردّ عن عرض أخيه إلاّ كان حقًا على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة» ثم تلا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين}.
وهو من طريق شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء عن أبي الدرداء.
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عنه في قوله: {وَيَجْعَلُهُ كسَفًا} قال: قطعًا بعضها فوق بعض {فَتَرَى الودق} قال: المطر {يَخْرُجُ منْ خلاَله} قال: من بينه.
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {إنَّكَ لاَ تُسْمعُ الموتى وَلاَ تُسْمعُ الصم الدعاء} في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر، والإسناد ضعيف.
والمشهور في الصحيحين وغيرهما أن عائشة استدلت بهذه الآية على ردّ رواية من روى من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أهل قليب بدر، وهو من الاستدلال بالعام على ردّ الخاص، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إنك تنادي أجسادًا بالية: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» وفي مسلم من حديث أنس: أن عمر بن الخطاب لما سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يناديهم، فقال: يا رسول الله، تناديهم بعد ثلاث، وهل يسمعون؟ يقول الله: {إنَّكَ لاَ تُسْمعُ الموتى} فقال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم، ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا». اهـ.

.قال القاسمي:

قوله تعالى: {مُنيبينَ إلَيْه} أي: راجعين إليه بالتوبة والإنابة: {وَمَنْ يَغْفرُ الذُّنُوبَ إلَّا اللَّهُ} [آل عمْرَان: 135]، وهو حال من فاعل الزموا، المقدر ناصبًا ل {فطْرَةَ} أو من فاعل: {أَقمْ} على المعنى؛ إذ لم يرد به واحد بعينه، أو لأن الخطاب له صلّى الله عليه وسلم، ولأمته، أو على أنه على حذف المعطوف عليه؛ أي: أقم أنت وأمتك، والحال من الجميع: {وَاتَّقُوهُ وَأَقيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ منَ الَّذينَ فَرَّقُوا دينَهُمْ} أي: جعلوه أديانًا مختلفة، لاختلاف أهوائهم: {وَكَانُوا شيَعًا} أي: فرقًا: {كُلُّ حزْبٍ بمَا لَدَيْهمْ فَرحُونَ} أي: كل حزب منهم فرح بمذهبه، مسرور، يحسب باطله حقًا.
قال القاشاني: يعني المفارقين الدينَ الحقيقي، المتفرقين شيعًا مختلفة، كل حزب عند تكدّر الفطرة، وتكاثف الحجاب، يفرح بما يقتضيه استعداده من الحجاب، لكونه مقتضى طبيعة حجابه، فيناسب حاله من الاستعداد العارضي، وإن لم يلائم الحقيقة بحسب الاستعداد، ولهذا يجب به التعذيب عند زوال العارض.
ثم احتج عليهم برجوعهم إليه عند الشدائد، ممايحمل أن يرجع إليه بعبادته دائما، بقوله سبحانه: {وَإذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} أي: شدة: {دَعَوْا رَبَّهُم مُّنيبينَ إلَيْه} أي: راجعين إليه وحده دون شركائهم: {ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُم مّنْهُ رَحْمَةً} أي: خلاصًا من تلك الشدة: {إذَا فَريقٌ مّنْهُم برَبّهمْ يُشْركُونَ ليَكْفُرُوا بمَا آتَيْنَاهُمْ} أي: بالسبب الذي آتيناهم الرحمة من أجله، وهو الإنابة، واللام للعاقبة. وقيل: للأمر التهديدي، كقوله تعالى: {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: عاقبة تمتعكم ووباله.
{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سُلْطَانًا} أي: حجة واضحة قاهرة: {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} أي: تكلم دلالة، كما في قوله تعالى: {هَذَا كتَابُنَا يَنْطقُ عَلَيْكُمْ بالْحَقّ} [الجاثية: 29]، {بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ} أي: بإشراكهم، وهذا استفهام إنكار، أي: لم يكن شيء من ذلك: {وَإذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} أي: نعمة من صحة وسعة: {فَرحُوا بهَا} أي: بطرًا وفخرًا، لا حمدًا وشكرًا: {وَإن تُصبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي: شدة: {بمَا قَدَّمَتْ أَيْديهمْ} أي: من المعاصي والآثام: {إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أي: ييأسون من روح الله قال: هذا إنكار على الْإنْسَان من حيث هو، إلا من عصمه الله تعالى ووفقه، فإن الْإنْسَان إذا أصابته نعمة بطر، وقال: {ذَهَبَ السَّيّئَاتُ عَنّي إنَّهُ لَفَرحٌ فَخُورٌ} [هود: 10]، أي: يفرح في نفسه، يفخر على غيره، وإذا أصابته شدة قنط، وأيس أن يحصّل بعد ذلك خير بالكلية قال الله تعالى: {إلَّا الَّذينَ صَبَرُوا وَعَملُوا الصَّالحَات} [هود: 11]، أي: صبروا في الضراء وعملوا الصالحات في الرخاء، كما ثبت في الصحيح: «عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له».
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لمَن يَشَاء وَيَقْدرُ إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمنُونَ} قال الزمخشري: أنكر عليهم بأنهم قد عملوا أنه هو الباسط القابض، فما لهم يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين من المعاصي التي عوقبوا بالشدة من أجلها، حتى يعيد إليهم رحمته؟
ولما بين تعالى أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم، أتبعه ذكرَ ما يجب أن يفعل، وما يجب أن يترك، بقوله: {فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} أي: من البر والصلة، واستدل به أبو حنيفة رحمه الله على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب؛ لأن آت: أمر للوجوب. والظاهر من: الحق، بقرينة ما قبله أنه ماليّ، وهو استدلال متين: {وَالْمسْكينَ} وهو الذي لا شيء له ينفق عليه، أو له شيء لا يقوم بكفايته: {وَابْنَ السَّبيل} أي: السائل فيه، والذي انقطع به، وحقهما هو نصيبهما من الصدقة والمواساة: {ذَلكَ خَيْرٌ لّلَّذينَ يُريدُونَ وَجْهَ اللَّه} أي: النظر إليه يوم القيامة، وهو الغاية المقصوى، أو يريدون ذاته بمعروفهم لا رياء ولا سمعة، ولا مكافأة يد، كما قال تعالى: {الَّذي يُؤْتي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عنْدَهُ منْ نعْمَةٍ تُجْزَى إلَّا ابْتغَاءَ وَجْه رَبّه الْأَعْلَى} [الليل: 18- 20]، {وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ} أي: في الدنيا والآخرة.
{وَمَا آتَيْتُم مّن رّبًا} أي: مال ترابون فيه: {لّيَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس} أي: ليزيد في أموالهم؛ إذ تأخذون فيه أكثر منه: {فَلَا يَرْبُو عندَ اللَّه} أي: لا يزكو ولا ينمو ولا يبارك فيه، بل يمحقه محق ما لا عاقبة له عنده إلا الوبال والنكال، وذكر في تفسيرها معنى آخر، وهو أن يهب الرجل للرجل، أو يهدي له ليعوّضه أكثر مما وهب أو أهدى. فليست تلك الزيادة بحرام، وتسميتها ربا مجاز؛ لأنها سبب الزيادة.
قال ابن كثير: وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثرُ} [المدثر: 6]، أي: لا تعط العطاء، تريد أكثر منه. وقال ابن عباس: الربا رباءان، فربا لا يصح، يعني ربا البيع، وربا لا بأس به، وهو هدية الرجل، يريد فضلها وإضعافها. انتهى.
وأقول: في ذلك كله نظر من وجوه:
الأول- أن هذه الآية شبيهة بآية: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرّبا وَيُرْبي الصَّدَقَات} [البقرة: 276]، وهي في ربا البيع الذي كان فاشيًا في أهل مكة حتى صار ملكة راسخة فيهم، امتصوا بها ثروة كثير من البؤساء، مما خرج عن طور الرحمة والشفقة والكمال البشري. فنعى عليهم حالهم، طلبا لتزكيتهم بتوبتهم منه، ثم أكد ذلك في مثل هذه الآية؛ مبالغةً في الزجر.
الثاني- أن الربا، على ما ذكر، مجاز، والأصل في الإطلاق الحقيقة، إلا لصارف يرشد إليه دليل الشرع، أو العقل، ولا واحد منهما هنا؛ إذ لا موجب له.
الثالث- دعوى أن الهبة المذكورة مباحة، لا بأس بها بعد كونها هي المرادة من الآية بعيدة غاية البعد؛ لأن في أسلوبها من الترهيب والتحذير ما يجعلها في مصاف المحرمات، ودلالة الأسلوب من أدلة التنزيل القوية، كما تقرر في موضعه.
الرابع- زعمُ أن المنهي عنه هو الحضرة النبوية خاصة، لا دليل عليه إلا ظاهر الخطاب، وليس قاطعًا؛ لأن اختصاص الخطاب لا يوجب اختصاص الحكم على التحقيق، لا يقال الأصل وجوب حمل اللفظ على حقيقته، وحملُه على المجاز لا يكون إلا بدليل، وكذا ما يقال إن ثبوت الحكم في غير محل الخطاب يفتقر إلى دليل- لأنا نقول: الأصل في التشريعات العموم، إلا ما قام الدليل القاطع على التخصيص بالتنصيص، وليس منه شيء هنا. وقد عهد في التنزيل تخصيص مراد به التعميم إجماعًا، كآية: {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق اللَّهَ} [الأحزاب: 1]، وأمثالها.
الخامس- أن في هذا المنهي عنه من إصعاد المرء إلى ذروة المحسنين الأعفّاء، الذين لا يتبعون قلوبهم نفقتهم، ما يبيّن أنه شامل لسائرهم، لما فيه من تربية إرادتهم وتهذيب أخلاقهم. بل لو قيل إن الخطاب له صلوات الله عليه، والمراد غيره، كما قالوه في كثير من الآي- لم يبعد؛ لما تقرر من عصمته ونزاهته عن هذا الخلق، في سيرته الزكية، وحينئذ فالوجه في الآية هو الأول، وعليه المعول. والله أعلم: {وَمَا آتَيْتُم مّن زَكَاةٍ} أي: مال تتزكون به من رجس الشح، ودنس البخل: {تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ} أي: ذوو الأضعاف من الثواب، جمع مُضْعف، اسم فاعل من أضعف، إذا صار ذا ضعف- بكسرٍ فسكون- بأن يضاف له ثواب ما أعطاه، كأقوى وأيسر، إذا صار ذا قوة ويسار. فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة ما أنفقوا، على أنه من أضعف والهمزة للتعدية، ومفعوله محذوف، وهو ما ذكر.
{اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ هَلْ من شُرَكَائكُم مَّن يَفْعَلُ من ذَلكُم مّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْركُونَ} قال القاضي: أثبت له تعالى لوازم الألوهية، ونفاها رأسا عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها، مؤكدًا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان، ووقع عليه الوفاق، ثم استنتج من ذلك تقدسه عن أن يكون له شركاء. انتهى.
{ظَهَرَ الْفَسَادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر} أي: كثرة المضار والمعاصي على وجه الأرض، وعلى ظهر السفن في لجج البحر: {بمَا كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس} أي: من الآثام والموبقات، ففشا الفساد، وانتشرت عدواه وتوارثه جيل عن جيل أينما حلوا وحيثما ساروا: {ليُذيقَهُم بَعْضَ الَّذي عَملُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} اللام للعاقبة، أي: ظهور الشرور بسببهم، مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم، إرادة الرجوع. وقيل اللام للعلة، على معنى أن ظهور الجدب والقحط والغرق بسبب شؤم معاصيهم، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا، وقبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه، كقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ منْ مُصيبَةٍ فَبمَا كَسَبَتْ أَيْديكُمْ} [الشورى: 30].
{قُلْ سيرُوا في الْأَرْض فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الَّذينَ من قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْركينَ} أي: فأذاقهم سبحانه سوء العاقبة، لشركهم المستتبع لكل إثم وعصيان: {فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين الْقَيّم من قَبْل أَن يَأْتيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ} أي: لا يقدر أحد على رده، وقوله: {منَ اللَّه} متعلق ب: {يَأْتيْ} أو ب: {مَرَدَّ} لأنه مصدر على معنى لا يرده تعالى، لتعلق إرادته بمجيئه، وفيه انتقاء رد غيره بطريق برهاني. وقيل عليه، لو كان كذلك لزم تنوينه لمشابهته للمضاف. وأجيب بأن الشبيه بالمضاف قد يحمل في ترك تنوينه، كما في الحديث «لا مانع لما أعطيت»: {يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ} أي: يتفرقون كالفراش المبثوث، أو فريق في الجنة، وفريق في السعير، كقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14].
{مَن كَفَرَ فَعَلَيْه كُفْرُهُ} أي: وبال كفره. قال الزمخشري: كلمة جامعة، لما لا غاية وراءه من المضار؛ لأن من كان ضارّه كفره، فقد أحاطت به كل مضرة: {وَمَنْ عَملَ صَالحًا فَلأَنفُسهمْ يَمْهَدُونَ} أي: يسوّون منزلًا في الجنة، أي: يوطئونه توطئة الفراش لمن يريد الراحة عليه: {ليَجْزيَ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحَات من فَضْله إنَّهُ لَا يُحبُّ الْكَافرينَ}.
{وَمنْ آيَاته أَنْ يُرْسلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَاتٍ} أي: بالمطر: {وَليُذيقَكُمْ منْ رَحْمَته وَلتَجْريَ الْفُلْكُ بأَمْره} أي: في البحر عند هبوبها: {وَلتَبْتَغُوا منْ فَضْله} أي: بتجارة البحر: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: ولتشكروا نعمة الله فيما ذكر.